الأزمة الروسية الأوكرانية: الجذور..والتداعيات المحتملة للحرب
طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد تُقرع في أيّ لحظة هذا ما تتوقّعه الولايات المتحدة الأمريكية التي رجحت استخباراتها أنّ موسكو بات لديها 70 بالمائة من القوة اللازمة لتنفيذ هجوم على أوكرانيا مع حشد ما يزيد عن 100 ألف جندي مع جارتها، العضو السابق في الإتحاد السوفياتي، وسط مخاوف من التداعيات الإقتصادية لهذه الأزمة الأكبر بين الشرق والغرب منذ نهاية الحرب الباردة.
في الأثناء تتواصل المحادثات والإتصالات بين الروس من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى لإيجاد حلول للأزمة التي قد تكون تداعياتها كبيرة على التوازنات الإقليمية والعالمية في ظلّ إصرار روسي على الحصول على ضمانات لأمنها القومي وحماية مصالحها الإستراتيجية.
المساعي التوسعية لحلف شمال الأطلسي حلقة ضمن سلسلة من الأزمات
الأزمة الحالية ليست إلاّ حلقة من سلسلة من الأزمات بين البلدين ومن ورائها الصراع بين الشرق والغرب. ولئن كانت الأسباب المباشرة للأزمة تتعلّق بالمساعي التوسعية لحلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق فإنّ جذورها تعود إلى عدة عقود وتحديدا منذ استقلال أوكرانيا في 1991 بعد سقوط الإتحاد السوفياتي السابق ونهاية الحرب الباردة.
وتعارض روسيا توسّع حلف شمال الأطلسي نحو الشرق وانضمام دول أخرى إليه ومنها أوكرانيا، وتعتبر أنّ أيّ توسّع للحلف يمثّل تهديدا مباشرا لها.
ويرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ أوكرانيا هي امتداد طبيعي لروسيا حتى وإن كانت غير خاضعة للسيادة الروسية، ويصرّ على أن تبقى تحت نفوذها، إذ يعتبر أنّه من الضروري وجود منطقة عازلة بين روسيا والغرب.
ضمّ روسيا إقليم القرم إلى أراضيها
التوتّر بين البلدين لم يهدأ وخاصة منذ ضمّ روسيا لإقليم القرم، الذي كان تابعا لأوكرانيا، في 2014 بعد السيطرة على الإقليم وتنظيم استفتاء أقرّت خلاله غالبية السكان، وهم من أصول روسية، الإنضمام إلى روسيا، فيما لا تعترف الدول الغربية بنتائج هذا الإستفتاء.
وجاءت هذه الخطوة بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانيكوفيتش، المقرب من موسكو، خلال احتجاجات تخللتها أعمال عنف، وتولي الحكم أطراف موالية للغرب مانفكّت تكثّف مساعيها للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي وهو ما ترفضه روسيا بشدة.
ويشار إلى أنّ القرم كانت تابعة لروسيا من 1783 إلى حدود 1954 عندما أهداها الزعيم الروسي فيكيتا خورشوف إلى أوكرانيا السوفياتية أنذاك.
دعم روسيا لانفصاليين في إقليم دونباس
وتدعم روسيا الإنفصاليين في إقليم دونباس الأوكراني المتنازع عليه بين جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك (المعلنتان من جانب واحد)، منذ عام 2014. وقد صوّت مجلس الدوما الروسي، اليوم الثلاثاء 15 فيفري 2021، لصالح مشروع قرار الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودانيتسك، واستقلال دونباس.
مخاوف كييف من النوايا التوسّعية لموسكو
و تخشى أوكرانيا من النوايا التوسعية لروسيا وتشاركها هذه المخاوف دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا). وتعلو بين الحين والآخر أصوات في روسيا تدعو إلى ضرورة قيام ما يعبّر عنها بروسيا الجديدة التي تشمل عدة مناطق أوكرانية ناطقة بالروسية.
أسباب التدخّل الأمريكي في الأزمة
ويعتبر مراقبون أنّ دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخطّ ومدّ أوكرانيا بالعتاد ودعمها ماديا يأتي بهدف حماية المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة التي تسعى إلى الضغط على موسكو من أجل تعطيل تحالفها مع الصين الخصم اللدود للولايات المتحدة الأمريكية وعرقلة مشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
و تخشى الولايات المتحدة ومعها بولونيا وأوكرانيا من استغلال روسيا لخط غاز "نورد ستريم 2" لتحقيق مكاسب سياسية خاصة مع انخفاض تدفقات الغاز من روسيا في نوفمبر الماضي إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات.
الغاز والنفط الروسيين ورقة ضغط إقتصادية
وفي حال نشوب الحرب فإنّ التداعيات الإقتصادية ستون كبيرة خاصة إذا تمّ قطع الإمدادات الروسية لأوروبا بالغاز الطبيعي، مما سيخلق أزمة طاقية قد تمتد آثارها إلى مختلف أنحاء العالم.
وفي هذا السياق قالت إدارة بايدن إنها تعمل مع موردي النفط والغاز في جميع أنحاء العالم لزيادة الشحنات إلى أوروبا في حال قيام روسيا بقطع الإمدادات، وفقا لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز.
وتوفر روسيا حاليا حوالي ثلث النفط الخام والغاز الذي يستورده الاتحاد الأوروبي، وهي وسيلة ضغط تبدو ذات فعالية خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا.
وفي وقت سابق ، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن الحلفاء الغربيين سيردون على أي توغل بعقوبات اقتصادية "شديدة"، مضيفا أن بريطانيا مستعدة لنشر قوات لحماية حلفاء الناتو في المنطقة.
جهود ديبلوماسية ومحادثات لتفادي المواجهة
وإلى حدّ الآن عجزت سلسلة من المحادثات في الأيام الأخيرة عن نزع فتيل الأزمة. وتتزامن هذه الجهود الديبلوماسية مع تهديدات أمريكية وأوروبية بإتخاذ عقوبات ضدّ موسكو. وغرد الناطق باسم المستشار الألماني أولاف شولتس بعد محادثات بين قادة دول غربية "الحلفاء عازمون معاً على اتخاذ عقوبات سريعة وجذرية في حقّ روسيا في حال حصول انتهاكات جديدة لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها".
إعداد: شكري اللّجمي